بطولة زائفة ومغامرة طائشة- محور المقاومة ووهم الانتصار

المؤلف: نجيب يماني11.15.2025
بطولة زائفة ومغامرة طائشة- محور المقاومة ووهم الانتصار

ليس من المنطقي أن نبالغ في تقييم مفهوم "البطولة" إلا باعتباره حافزاً قيّماً ومثلاً يُحتذى به. يجب أن ندرك أن أولئك الذين ذاع صيتهم كأبطال لم يصلوا إلى هذه المكانة إلا بفضل جهد جماعي متكامل، حيث تضافرت الأدوار والرؤى والإسهامات لتحقيق النجاح المنشود. "البطل" هو من قام بفعل مميز ضمن هذا المجموع، وليس من قام بفعل أحمق منفرد. ما فعلته حماس في السابع من أكتوبر على غلاف غزة هو مثال على هذا الحماقة، وقد هلّل له البعض رغم فداحة الوضع وتشريد آلاف الفلسطينيين، ومقتل وإصابة عشرات الآلاف، فضلاً عن أعداد كبيرة من المفقودين، هذا إضافة إلى الدمار الهائل الذي حلّ بغزة وجعلها أثراً بعد عين.

في غمرة هذا الخراب والقتل، وبادعاء بطولة زائفة وتهديدات فارغة، انبرى "حزب الله" ليقدم على نفس المغامرة الطائشة، واضعاً مصير لبنان في مهب الريح، ورهناً لتقديرات الآلة العسكرية الإسرائيلية وأجندتها السياسية. النتيجة المتوقعة هي كارثة تهدد بتحويل لبنان إلى ساحة حرب شاملة، قد تمتد لتشمل المنطقة بأسرها.

أمام هذه الحقائق المرة التي نشاهدها يومياً، يطل علينا ما يسمى بـ "محور المقاومة"، وهي مقاومة زائفة وقائمة على الكذب والمغامرة. لطالما برر حزب الله وجود سلاحه بحجة المقاومة ودحر العدو واستعادة الأراضي وتدمير إسرائيل، مطلقاً التهديدات والوعيد يميناً وشمالاً، بينما العدو يمعن في انتهاك سيادة لبنان وكرامته. في الواقع، لم يحقق الحزب للبنان سوى الدمار والعزلة عن محيطه العربي، وتسبب في العديد من الأزمات والمشكلات، بسبب تحوله إلى أداة طيعة في يد قوى إقليمية، وتجاوزه لدوره السياسي المدني ليصبح ميليشيا مسلحة داخل الدولة وخارج سيطرتها.

يعتقد محور المقاومة أن تحرير فلسطين ودحر العدو يتم بالخطب الرنانة والتهديدات الجوفاء، متجاهلاً الدروس المستفادة من الواقع المرير.

وها هو سميح القاسم، وهو بوق آخر لهذا المحور، يخرج علينا بنفس أسلوب أسلافه ليؤكد لنا أن حزبه منتصر، مستشهداً بتأييد الناس لهذا الانتصار المزعوم، ومؤكداً أن إنجازاتهم اليومية عظيمة وأن إمكانيات الحزب بخير وأن الحرب لم تمس بإرادتهم ولن تمس، وأنهم مصممون على المواجهة والمقاومة. ولكن، مع وجود آلاف القتلى في لبنان، ومع استمرار الحرب، فإن ما تنقله لنا الفضائيات وما نشاهده يومياً يكذب ادعاءات القاسم ويفضح زيفها. لقد نسي أن سلفه، حسن نصر الله، توعد إسرائيل بأشد العقوبات في حال تجرأت على الاعتداء على لبنان، وادعى أن حزبه هو القوة الوحيدة القادرة على ردع الجيش الإسرائيلي منذ حرب عام 1948.

في المقابل، يصفق خالد مشعل، البعيد عن أتون الحرب، لهجوم حماس في السابع من أكتوبر، معتبراً أنه أعاد إسرائيل إلى نقطة الصفر وهدد وجودها، وأن خسائر محور المقاومة تكتيكية بينما خسائر إسرائيل استراتيجية، داعياً إلى فتح جبهات إضافية، بما في ذلك الضفة الغربية، ومؤكداً أن النصر قادم. وكأن ما حدث في غزة والضاحية الجنوبية لا يكفي.

ويأتي المرشد العام ليؤكد أن جبهة المقاومة في المنطقة لن تتراجع، وأنها استطاعت أن تعيد الكيان الصهيوني سبعين سنة إلى الوراء. إنها أوهام وأكاذيب يصدقها السذج والمخدوعون. إنهم مجرد نماذج كلامية وأبطال من ورق ابتلينا بهم، يعيشون في عقول المغفلين الذين يصدقون أكاذيب حزب الله ومحور المقاومة بأنهم سيكنسون إسرائيل ويرمون بها في البحر. إنهم يطلقون وابلاً من الخطب النارية والتهديدات الصارخة لإسرائيل. ما يقوم به هؤلاء ليس سوى متاجرة سياسية وركوب لمطية "البطل" التي أصبحت مبتذلة. لو أنهم فتحوا بصائرهم وأعينهم، ولو بنصف طاقة الاستبصار، لأدركوا خطورة رهن المقاومة وتحرير فلسطين وإعادة القدس لنظام الملالي، الذين يتباهون بعلاقتهم معه وينتظرون منه نصراً للقدس وصرخة استغاثة للأقصى. لا ألوم هذه الجماعات وأصواتهم النشاز وهم يمتطون صهوة البطولة الزائفة، فذاك طموح لم يكن لهم أن يحققوه لولا غفلتنا عن رؤاهم المفخخة وإعراضنا عن أفعالهم المشينة وتبريرنا لبعضهم ما اقترفوه من فظائع. فهل أنتم منتبهون؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة